العلاج التكاملي: انت تحمل مفاتيحه دون ان تدرك

النظر إلى الصحة النفسية بمعزل عن صحتك الجسدية، غذائك، حركتك، علاقاتك الاجتماعية، وبيئتك المحيطة، يشبه الاعتقاد أن قارب صغير وسط البحر يمكن ان يبقى جافاً، سليما من تخبط الامواج

التوجّه الأميركي في العلاج، سواء النفسي أو الجسدي، يقوم غالبًا على تركيز ضيّق على العَرَض الواحد بدلاً من فهم الشخص في سياقه الكامل. هذا التوجه قد يكون نافعًا أحيانًا في الحالات الطارئة أو الدقيقة، لكنه غير كافٍ إذا أردنا شفاءً حقيقيًا وعميقًا.

النظرة المشرقية للشفاء: ضم لا تفريق

في المقابل، النظرة المشرقية للشفاء تقوم على الدمج لا الفصل. في تراثنا، لا يمكن فصل النفس عن الجسد، وكان هذا الفهم متجذرًا في الفكر الطبي الإسلامي منذ قرون.

الرازي – الذي أسس أول قسم للطب النفسي في التاريخ – رأى أن النفس والجسد كيان واحد لا ينفصل، وكان يؤمن أن القراءة والتأمل من أقوى وسائل الشفاء لأنها تفتح العقل وتقلل الخوف وتمنح الإنسان سكينة تجاه الحياة. ودافع عن العلاج بنهج شِفائي شامل يجمع بين الغذاء، الدواء، الراحة النفسية، العلاج بالموسيقى والبيئة

الفارابي بدوره أسس مدرسة فلسفية ترى في توازن الروح والجسد أساس للصحة، بينما ابن سينا في كتابه القانون في الطب فرّق بدقة بين الأمراض النفسية والجسدية، مؤكدًا أن كلاً منهما يؤثر ويتأثر بالآخر، وداعيًا إلى فهم أوسع وأعمق للحالة الإنسانية.

من أجمل الأمثلة "البيمارستان النوري" في دمشق، أحد أقدم المستشفيات في العالم، ضمّ أقسامًا للعلاج النفسي والجسدي، وطبّق علاجات متكاملة شملت الأعشاب، والموسيقى، والطبيعة، مع الحرص على توثيق الحالات وإعادة تأهيل المرضى بعد العلاج، في نهج شمولي غير مسبوق في زمانه.

The Canon of Medicine

القانون في الطب هو موسوعة طبية تنقسم إلى خمس مجلدات ألفها العالم و الطبيب المسلم ابن سينا

الشفاء في تفاصيل حياتنا اليومية

هذه الفلسفة ليست بعيدة عن حياتنا اليومية كشرقيين:

نلجأ للأصدقاء حين نحزن

نخرج للمشي في المدينة لتصفية الذهن

نأكل طعامًا يُقال عنه "يرمّ العظم"، في إشارة إلى قدرته على التقوية والمناعة

“Placebo” نلجأ للرقية الشرعية حين تعجز الطرق الأخرى، كنوع من العلاج بالإيحاء

نمارس شعائر روحية سواء كانت دينية او تأملية مثل الصلاة، التفكر، اليوغا، أو الخلوة بالطبيعة، وكلها ممارسات مثبت أثرها العميق على الصحة النفسية

نُغيّر السكن أحيانًا، نغير عملنا، “نغير جو” كما يقولون بحثًا عن بيئة افضل

نحن بطبيعتنا نحمل في ذاكرتنا الثقافية هذا التوجّه الشمولي، وهو ليس غريبًا علينا، بل هو متجذّر فينا

منبت: استرجع أدواتك الفطرية

في منبت، نُعيد إحياء الرؤية الشمولية للشفاء، وندمج بين الحكمة المشرقية العريقة وأحدث ما توصّلت إليه العلوم النفسية والعصبية المعاصرة. نؤمن أن الشفاء لا يكون حقيقيًا إلا إذا أعاد التوازن إلى جميع جوانب الحياة. نصمّم خططًا شمولية تعالج هذه الجوانب معًا، فتُشكّل قاعدة متينة للغوص لاحقاً في العمل النفسي الديناميكي الأعمق، الذي يستكشف الطفولة، والعلاقة مع الوالدين، والأنماط المتكررة في الحياة.

رسالتنا هي ان نسترجع قوتنا كشعوب مشرقية متجذرة في التاريخ، ان نسترجع ادواتنا الفطرية ، نتمكن من إعادة تفعيلها لدعم صحتنا النفسية في هذا البحر العالمي المتقلب.  حتى إن غابت خدمات الصحة النفسية التخصصية، ولم تأتِ نجدة السواحل لإنقاذ قاربنا المتخبط، فلا يزال بإمكاننا النجاة. عندما نعيد تفعيل فطرتنا السليمة، نزيد من معارفنا و اطلاعنا، ونبحث في ثقافتنا و عاداتنا عمّا فيه نفع لنا سنتمكن من ان نمسك زمام شفاءنا بأيدينا.

 

Previous
Previous

رحلة شفاء القلب: ما هي الاخطاء التي تحرمك من الاستفادة من العلاج النفسي

Next
Next

كيف نهدأ عندما يموج العالم