رحلة شفاء القلب: ما هي الاخطاء التي تحرمك من الاستفادة من العلاج النفسي
من خلال عملي وتواصلي مع متعالجين من خلفيات ثقافية واجتماعية متنوعة، من امريكيين او عرب، لاحظت وجود ثلاث أخطاء شائعة حول مفهوم العلاج النفسي، تمنع الكثيرين من الاستفادة الحقيقية منه.
١. المفهوم الخاطئ الأول
"العلاج النفسي هو مجموعة نصائح تُغيّر حياتي."
هذا المفهوم أقرب لفكرة "الاستشارة"، وقد يكون مفيدًا لموضوع محدد. الاستشارة يمكن ان تعطيك رأياً مختصاً لكنها لن تغير المعتقدات و الصفات الاصلية التي تجعلك تسلك و تفكر بطريقة معينة.
أما العلاج النفسي الحقيقي، فهو:
١. فتح الصندوق الأسود الذي تنبع منه الذات والذي تكوّن في أول خمس سنوات من حياتك. يحوي هذا الصندوق داخله صفاتك العميقة، مخاوفك الأولى وطريقتك في رؤية الحياة.
٢. فهم علاقتك بوالديك التي تُشكّل النمط الأساسي لعلاقاتك اليوم. الكثير من المتعالجين يعانون من مشاكل في العلاقات مع من حولهم نتيجة ان نمطهم الأساسي للعلاقات الذي تشكل في الطفولة مبني على صدمات او بيئة تربوية غير سليمة
٣. العلاج أخيرا هو تحليل لنمط حياتك الحالي وعاداتك غير الصحية التي تؤثر على منظومة حياتك ككل و قد تُساهم في الاكتئاب، القلق، ونوبات الهلع.
٢. المفهوم الخاطئ الثاني
"المعالج يمتلك خطوات سحرية وسريعة للتغيير."
أسئلة مثل: كيف أوقف القلق؟ كيف اتجنب الأفكار الوسواسية؟ كيف أجعل طفلي يسمع الكلام؟ كيف أجعل شخصًا يحبني؟ كلها تنطلق من رغبة في حلول سريعة.
لكن الحقيقة أن العلاج هو إعادة صناعتك لنفسك و برمجتها لتفكر و تتصرف بطريقة جديدة. ليس فقط لتتعامل مع القلق بل لترى الحياة بطريقة اقل قلقا. ليس فقط لتتجنب الأفكار الوساسية، بل لتفهم ما غرض هذه الأفكار وتنفي هذا الغرض من جذوره، ليس فقط لجعل طفلك يسمع الكلام بخنوع بل ليريد ان يقتدي بك و يصبح مثلك، ليس لجعل احدهم يحبك، بل لفهم لما تريد حب من شخص غير مهتم بك.
لتحقيق ذلك عليك ان
١. تكون شجاع بما يكفي لفتح الصندوق الأسود و صبور بما يكفي لسبر اغواره
٢. تكون مستعد للاستبصار بعلاقتك مع والديك و من حولك لإيجاد الانماط السلبية. مستعد لبذل جهد كبير و شجاع لمواجهة من يجب عليك مواجهته، مستعد للتدرب على قول "لا" و وضع حدود. مستعد لنقاش الأشياء التي تتجنها مع شريكك او صديقك
٣. تستثمر الكثير من الجهد لتغيير عادات حياتك اليومية الغير صحية مثل الطعام، النوم و ممارسة الرياضة، إعطاء وقت للتأمل الروحانية، أخذ قرارات كبيرة و مخيفة مثل تغيير مكان اقامتك، بلد اقامتك او ترك عملك الضاغط.
انت من يقوم بالعمل و هو عمل مجهد و شجاع و طويل الأمد. هو كل الأشياء الغير سحرية على الاطلاق عندما تقوم بها، بل هي مملة و رتيبة ولكن نتائجها السحرية هي أساس التحوّل العميق.
٣. المفهوم الخاطئ الثالث
"جلسة كل شهر او كل أسبوعين كافية."
الكل يعرف ما عليه فعله: النوم باكرا، الرياضة، أن تكون لطيفًا و محباَ مع اهلك و اصدقائك، عطوفاَ على اطفالك.. لكننا لا نفعله! لماذا؟
التغيير يتطلّب علاقة عميقة مع شخصٍ متفهّم، متقبّل لك كما أنت، تمامًا كما كان ينبغي أن تكون علاقتك بوالديك أو أسرتك. هذا الشخص يحمل اهتمامًا أصيلًا بسلامك النفسي ورفاهك، وتشعر معه بثقة تجعلك تنصت إليه بقلبٍ مفتوح، وتتقبّل تفسيراته دون أن تشكّك في نيّته أو تشعر أنه يتدخّل في حياتك من موقع سلطة أو تحكّم.
تخيّل أن هذا الشخص غريبٌ تمامًا، تراه مرة واحدة كل شهر، ويُمطر عليك سيلًا من النصائح والتوجيهات. هل كنت ستشعر نحوه بقبول حقيقي؟ هل كنت ستفتح له قلبك وتشاركه أعمق أسرارك، مواطن خزيك وندمك؟ هل كنت ستبوح له بما يُخيفك فعلًا؟ هل يمكن أن تبني حياتك من جديد استنادًا إلى كلماته؟
هذا ضربٌ من المستحيل.
لكي يتمكّن هذا الشخص من مساعدتك، يجب أن يتجاوز كونه "الطبيب الحكيم" أو "الخبير الغريب". عليه أن ينزل معك إلى ساحة المعركة، أن يخوض في الطين الى جانبك حيث تسكن أعتى وحوشك الداخلية. عليه أن يصبح مزيجًا من الصديق، والأب الحنون، والأم العطوفة: الصورة المثالية التي حلمتَ بها يومًا عن الأمان. شخصٌ موجودٌ فقط من أجلك، مهمّته الأسمى أن تصل إلى نفسك.
ولكي تُبنى هذه العلاقة وتصبح قوية بما يكفي لتحملك إلى برّ الأمان، لا يكفي أن تلتقي بهذا الشخص مرة في الشهر. يجب أن يكون هناك انتظام وتواتر يشعر جهازك العصبي بالأمان ويُعيد بناء الثقة. لهذا السبب، كان فرويد يلتقي مرضاه يوميًا. أما اليوم، فالواقع يفرض علينا خيارات مختلفة، لكن أقرب ما يمكن لذلك هو أن تلتقي بمعالجك مرتين في الأسبوع على الأقل، حتى تُمكّنك هذه العلاقة من النمو، لا مجرد البقاء.
الكثير من الناس يأتون إلى العلاج وهم يعتقدون أنه وصفة سحرية لتغيير حياتهم. وهو كذلك فعلًا لكنه سحر لا يعمل إلا إذا كنت أنت مستعدًا للعمل على نفسك وتغيير نمط حياتك
العلاج النفسي هو رحلة نمو. وكما كل رحلة نمو، تحتاج إلى رفيق قريب، حقيقي، يمشي معك الطريق، يعينك على تحمّل ألم التغيير، ويمنحك منظورًا جديدًا للحياة.
اعطِ العلاج وقته، ومساحته، وحقه، ليمنحك بدوره حقك في أن تعيش الحياة التي تستحقها.